الأربعاء، 22 يونيو 2022

العبابسة بنو العباس في السودان - نسبهم وتاريخهم وتراجم أعلامهم - تأليف نخبة من أبناء العبابسة - الجزء 3

الجزء الثالث
من صفحة 17 إلى صفحة 24
 قد يقول قائل إن الأسماء من شرف الدين إلى المتوكل على الله جعفر قليلة. للتصدي لهذه

الشبهة بموضوعية نجري مقارنة أبلغ دلالة وأكثر تعضيدا لصحة عمود النسب المعتمد

من معظم فروع العبابسة.

رأينا ان الشيخ شرف الدين يفصله عشرة جدود عن المتوكل البغدادي حسب سلسلة

النسب المتداولة عند معظم فروع العبابسة، وقلنا أن جده هو محمد أبو محمد بن المتوكل

البغدادي، وأضفنا لذلك حسابات وروايات تفيد بأن شرف الدين ولد حوالي العام 12٣٠

ميلادي قبل سقوط بغداد بأقل من ثلاثين سنة أو ربما قبل ذلك. ما معقولية ذلك؟ يعني

هل من المعقول أن يفصل شرف الدين 1٠ أجداد فقط من المتوكل ثم يكون ميلاده قبل

سقوط بغداد بقليل؟

نلجأ للمقارنة مرة أخرى. هناك حفيد مشهور للمتوكل من ابنه محمد أبوعيسى )انظر

قائمة ابناء المتوكل الملحقة في موضع آخر(. هذا الحفيد لقبه ابن شفنين وهومن رواة

الحديث المشهورين ويفصله عن المتوكل عشرة أجداد أيضا ونعلم أنه ولد عام ٥٤٩

هجري )حوالي 11٥٤ ميلادي( وتوفي في رابع رجب عام 6٤٠ هجري ) 27 ديسمبر

12٤2 ميلادي( أي قبل سقوط بغداد )الذي كان في العاشر من فبراير عام 12٥8 م( بأقل

من 16 سنة فقط. هذه المعلومات استقيناها من ترجمة لان شفنين متاحة عتى الانترنت

نقتبسها أدناه

ابن شفنين

الشريف الأجل المسند أبو الكرم محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن عبد الواحد

بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أبي عيسى بن المتوكل على الله جعفر بن

المعتصم ، القرشي ، العباسي ، المتوكلي ، البغدادي ، عرف بابن شفنين ، وهو لقب

لعبيد الله . مولده سنة تسع وأربعين وخمسمائة . أجاز له أبو بكر بن الزاغوني ، ونصر بن نصر الواعظ ، وأبو الوقت السجزي ، ومحمد

بن عبيد الله الرطبي ، وأبو جعفر العباسي ، ومحمد بن أحمد بن التريكي . وسمع من عمه أبي تمام عبد الكريم بن أحمد ، ويحيى بن السدنك ، وكان صدرا ، معظما

، فاضلا ، حسن الطريقة . أثنى عليه ابن النجار وغيره . روى عنه مجد الدين بن العديم ، وجمال الدين الشريشي ، وجماعة .

ص ف ح ة | 18

وروى عنه بالإجازة العماد بن البالسي ، والمطعم ، وابن سعد ، ومحمد بن أحمد النجدي

، وزينب بنت عبد الله بن الرضي ، وابن الشحنة ، وجماعة . ] ص: 8٥ [ توفي في رابع رجب سنة أربعين وستمائة . وفيها مات الزين أحمد بن عبد الملك المقدسي الناسخ ، والصاحب مقدم الجيوش كمال

الدين أحمد بن محمد بن عمر بن حمويه الجويني بن الشيخ بغزة ، وأبو إسحاق إبراهيم

بن بركات الخشوعي ، والمحدث إبراهيم بن عمر بن الدردانة الحربي ، والملك الحافظ

صاحب جعبر ، وعبد العزيز بن مكي بن كرسا البغدادي ، وعبد العزيز بن عبد المنعم

بن النقار العماد الكاتب ، وعبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبيه الصالحي ومعالي بن

سلامة الحراني العطار ، وصاحب الغرب الرشيد المؤمني ، والمستنصر بالله العباسي ،

وشيخ القراء أبو علي منصور بن عبد الله بن جامع الضرير ، والزين يحيى بن علي

الحضرمي المالقي النحوي بدمشق .

البديع في هذه الترجمة أن تاريخ ميلاد وتاريخ وفاة ابن شفنين مسجلان فيها. وللتحضير

الذهني أكثر، عند المقارنة بين هذين النسبين، انظر للجدول أدناه

هذه المقارنة توضح بجلاء أن تقدير تاريخ ميلاد شرف الدين عند سنة 12٣٠ م معقول
كما أن المقارنة تزيدنا ثقة في سلسلة نسبنا. قد يقول قائل لكن الفرق بين تاريخي ميلاد
ابن شفنين ) 11٥٤ م( وشرف الدين ) 12٣٠ م( كبير نسبيا مما يشكك في فرضية أن شرف
الدين يفصله 1٠ جدود عن المتوكل والصحيح ربما أكثر من ذلك. بمعنى آخر هل من
المعقول أن يكون لدينا شخصان يفصلهما نفس العدد من الجدود عن الجد الأكبر المشترك
ويكون الفارق بين عمريهما ما يقرب من 7٥ سنة؟ الجواب نعم. ولا نذهب بعيدا حيث
لدينا في أسرة الحاج سعد اثنين من أبناء أحفاده، تحديدا الباشمهندس فيصل هارون أحمد
الأمين الشيخ محمد والابن علي محمد الحسن المامون الشيخ محمد يفصلهما نفس العدد
من الجدود عن الجد الأكبر ولكن الفارق بين تاريخي ميلادهما يقرب من 7٠ سنة.
وبالتأكيد يمكن إيجاد أمثلة أخري كثيرة. وقد أفاد أحد أبناء عمومتنا من العبابسة أن خاله
تزوج وهو فوق الخمسة وثمانين سنة ورزق بنتا وولدا من هذه الزيجة، وفى نفس الاسرة
أولاد اولاده وأولاد بناته أكبر من بنته وولده.
خلاصة هذا النقاش أن سلسلة النسب المعتمدة من معظم فروع العباسة تقف على أرض
صلبة ولا يمكن التشكيك فيها إلا لمن يأتي ببينات جديدة قاطعة الدلالة. ونختم بإعادة هذه
السلسلة ونتعشم أن يستخدمها العبابسة عند كتابة أنسابهم لأسرهم وللآخرين، مع التأكيد
على أن الهدف دائما هو التعارف وليس الافتخار.
شرف الدين بن يعقوب بن سعد الدين بن عز الدين بن يعقوب بن
عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن موسى بن محمد بن الخليفة
جعفر المتوكل على الله البغدادي
ص ف ح ة | 20
الخلفاء العباسيون في ظل دولة المماليك
نقدم هنا نبذة عن الخلفاء العباسيين بمصر في ظل دولة المماليك التي قامت في العام
6٤8 ه على أنقاض الدولة الأيوبية. معظم المعلومات مستقاة بتصرف قليل من ورقة
للدكتور عبد المجيد أبو الفتوح بدوي بنفس العنوان أعلاه. بقية المعلومات من مصادر
أخرى وسيتم ربط المعلومات بمصادرها لاحقا.
هذه النبذة مهمة للعبابسة لعدة أسباب، منها أن تاريخهم يشترك مع تاريخ هؤلاء الخلفاء،
حيث أنهم ينحدرون من نفس الأصل. وثانيا لان الشيخ شرف الدين، بحسبانه من ضمن
الأسرة الحاكمة، ربما رافق هؤلاء الخلفاء عند مغادرته بغداد، وثالثا لأن بعض فروع
العبابسة المهمة تتبنى نسبا يدخلهم في ذرية هؤلاء الخلفاء، وهو ما وصفناه بالنسب
المصري للعبابسة.
فكرة نقل الخلافة الإسلامية من بغداد إلى مصر أو إقامتها فيها قديمة، ولكنها اكتسبت
زخما بعد سقوط بغداد في يد المغول. وكانت هناك أطرافا عدة لها مصلحة في إحياء
الخلافة الاسلامية، كل من منطلقه الخاص ومصلحته. فالمماليك كانوا في حاجة إلى إحياء
الخلافة الإسلامية لإضفاء مزيد من الشرعية على حكمهم، خصوصا وأنهم لا يمكنهم
تسنم الخلافة بشخوصهم باعتبارهم أرقاء. كذلك فإن عامة المسلمين كانوا تواقين لهذا
الإحياء بعد الإحساس بالضياع والمهانة الذي سببه غزو المغول لبغداد، وما أحدثوه من
ذبح وتقتيل فيها. ولما حدثت المعجزة بانتصار المماليك بقيادة قطز على المغول في عين
جالوت بدأ ذوو الطموح من بقايا البيت العباسي يرون فرصة لاستعادة عرش آبائهم من
المغتصبين المغول.
وقد سلك هذا السبيل رجلان: أولهما أبو العباس أحمد الذي يمتد نسبه إلى الخليفة المسترشد
بالله، وقد وصل هذا الأمير إلى شمالي الشام، ولجأ إلى أمير العرب في هذه المنطقة
عيسى بن مهنأ، وأقام عنده مدة من الزمن إلى أن وصل السلطان المملوكي قطز إلى
دمشق عقب موقعة عين جالوت، وعلم بوجوده فأرسل في طلبه، وبايعه بالخلافة، ولقب
بالحاكم بأمر الله. والتحق بخدمة هذا الخليفة جماعة من أمراء العرب، ومضوا معه في
محاولة لاستعادة ما يقدرون عليه من البلاد العراقية التي استولى عليها المغول، ونجح
أبو العباس فعلا في استعادة بعض البلاد كالحديثة وهيت، والأنبار، وحقق بعض
الانتصارات.
وفي هذه الأثناء حدثت مؤامرة الظاهر بيبرس على المظفر قطز، قاهر المغول، وتم قتله
وهو في الطريق إلى القاهرة وتسلطن بيبرس، فأرسل عن طريق نائبه في دمشق يستدعي
ص ف ح ة | 21
الخليفة، وما إن وصل أبو العباس إلى دمشق واستعد للتوجه إلى القاهرة، حتى علم بأن
عباسيا آخر، هو أبو القاسم أحمد ) عم المستعصم آخر الخلفاء العباسيين في بغداد( قد
سبقه إلى مصر، وبويع بالخلافة، ولقب بالمستنصر بالله، فلما يشأ أن يواصل الرحلة،
خوفا من أن ي مسك، وعاد إلى حلب حيث بويع له بالخلافة من جانب عدد كبير من الناس،
على رأسهم والد الإمام ابن تيمية. أي أنه صار هناك خليفتان عباسيان.
ورأى الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد أبو العباس أن يستأنف نشاطه العسكري ضد المغول،
فجمع عددا من أنصاره، وذهب بهم على عانة وهناك وجد الخليفة الآخر المسنتصر بالله
أبا القاسم، ومعه فرقة من المحاربين يسعون إلى استعادة ما اغتصبه المغول من بلدان
الخلافة، وهناك تم التفاهم بين الرجلين، وبايع الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد أبو العباس
الخليفة الآخر المنتصر بالله أحمد أبا القاسم، قيل لأنه يكبره في السن، واتفقا على أن
يواصلا رحلة الجهاد معا. ولما التقى الرجلان بالمغول في إحدى المعارك التي هزما
فيها لم يعثر للخليفة المنتصر بالله على أثر.
وفر أبو العباس أحمد إلى الرحبة ملتجئا للمرة الثانية إلى أمير العرب عيسى بن مهنأ
الذي كاتب الظاهر بيبرس في شأنه، فأرسل يستدعيه إلى القاهرة، فوصل مع أهله ومن
ضمنهم ابنه محمد، وكان جملة مرافقيه حوالي خمسين شخصا، واحتفل بيبرس بقدومه
وأنزله البرج الكبير بقلعة الجبل وعقد له بيبرس مجلسا عاما في نوفمبر 1262 م حيث
قرئ نسبه على الحاضرين بعدما ثبت ذلك عند قاضي القضاة في ذلك الوقت تاج الدين
ابن بنت الأعز، وبايعه بالخلافة وأشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر إلا أنه
فرض علية الإقامة الجبرية إلى أن تولي الحكم الملك الأشرف فأسكنه بالكبش
بخط الجامع الطولوني فكان يخطب أيام الجمعة في جامع القلعة ويصلي وحين تولي
الملك حسام الدين لاجين أباح له حرية التصرف والتنقل حيث شاء وأركبه معه في
الميادين .
غير أن الظاهر بيبرس، لم يفكر في إعداد هذا الخليفة الثاني لاسترجاع بغداد وإحياء
الخلافة بها، وإنما استبقاه في القاهرة ليكون على مقربة منه وتحت عينه، وجعل سلطته
محدودة، لا تتعدى ذكر اسمه في الخطبة في مصر والأمصار التابعة لها.
عليه فإن أبو العباس هو الخليفة العباسي الثاني في مصر وقد لقب بالحاكم بأمر الله، وكل
الخلفاء اللاحقين من ذريته. وقد عهد الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد بولاية العهد لابنه
محمد المذكور ولقبه بالمستمسك بالله، ولكن محمد المستمسك بالله توفي في حياة والده
ولم يعش ليتسنم الخلافة.
ص ف ح ة | 22
ومحمد المستمسك بالله هذا مهم للعبابسة حيث أن هناك من يرون أن العبابسة من ذريته،
ومنهم كما ذكرنا من قبل العلماء الأزهريون السناريون. وسنعود لسيرة ذريته لاحقا.
المصدر أعلاه لم يوف الخليفة العباسي الأول حظه من الترجمة. لنعد قليلا لنضيف مزيدا
من المعلومات من مصادر أخرى عن شخصية ابي القاسم أحمد المنتصر بالله، ورحلته.
نقول هو أحمد ابو القاسم بن الظاهر بأمر الله ابي نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد.
وهو ابن الخليفة العباسي البغدادي الظاهر بأمر الله، وأخو الخليفة العباسي البغدادي
المستنصر بالله، ولهذا يشار إليه بالمستنصر بالله الثاني، وهو أيضا عم الخليفة المستعصم
بالله آخر الخلفاء العباسيين ببغداد، والذي قتله المغول مع عدد من ابنائه.
كان المستنصر أحمد أبو القاسم داخل السجن عندما اقتحم المغول بغداد فلما فتح السجانون
أبواب السجون أطلق فهرب وتمكن من الخروج من بغداد فاتجه إلى عرب العراق فبقي
مدة عندهم، فلما انتصر المماليك في عين جالوت على المغول توجه أحمد أبو القاسم الى
القاهرة بدعوة من السلطان بيبرس فوصل إليها في أوائل رجب من عام 6٥٩ ه فأثبت
نسبه فبايعه السلطان بيبرس بالخلافة، ثم قاضي القضاة تاج الدين، ثم الشيخ عز الدين
بن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم وذلك في 1٣ رجب من العام نفسه أي 6٥٩ ه،
)الموافق 12 يونيو 1261 م ( وخطب له، ونقش اسمه على السكة، ولقب بالمستنصر
على لقب أخيه الخليفة البغدادي قبل الأخير، وخطب بالناس يوم الجمعة، ودعا للسلطان
بيبرس، ثم صلى بالمسلمين.
قال الذهبي: ولم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا هذا والمقتفي.
ثم إن المستنصر هذا عزم على التوجه إلى العراق في محاولة لإعادة الخلافة العباسية،
فشرع السلطان بيبرس في تجهيزه، وإمداده بكل ما يحتاجه من جند وسلاح ومال، وخرج
السلطان مع الخليفة إلى دمشق، فبلغها في )ذي القعدة 6٥٩ ه = 1261 م(، وكان في
عزمه أن يمد الخليفة بعشرة آلاف جندي وفارس حتى يتمكن من استعادة بغداد من أيدي
المغول، لكن السلطان بيبرس تراجع عن وعده، وأحجم عن المضي في هذا المشروع
بعد أن وسوس له أحد أمرائه وخ وفه من مغبة نجاح الخليفة في استرداد بغداد لينازع بعد
ذلك السلطان الحكم، فاكتفى بإمداده بقوات قليلة لم تكن كافية لتحقيق النصر على المغول.
فسار الخليفة ومعه ملوك الشرق وصاحب سنجار فاجتمع به الخليفة الحلبي الحاكم بأمر
الله أحمد ودان له ودخل تحت طاعته ثم سار ففتح الحديثة ثم هيت فجاءه عسكر من التتار
فتصافوا له فقتل من المسلمين جماعة وعدم الخليفة المستنصر فقيل: قتل وهو الظاهر
وقيل: سلم وهرب فأضمرته البلاد وذلك في ٣ من المحرم سنة 66٠ ه ) الموافق 27
نوفمبر 1261 م(، فكانت خلافته دون ستة أشهر.
ص ف ح ة | 23
وقد كان عمر المستنصر بالله حين قدومه ٣٥ عاما وقد جاء مع أهله، حيث نعرف خبرا
عن عقد قران ابنته لاحقا علي ولي العهد محمد المستمسك بالله ابن الخليفة الحاكم بأمر
الله أحمد. وقد تم هذا العقد في يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة 676 ه، الموافق
٥ أكتوبر 1277 م. هكذا ذكر في البداية في الجزء 1٣ في أحداث سنة 676 ه. ولم تذكر
المصادر التاريخية أي أثر عن ذرية المستنصر بالله الثاني هذا.
وهناك قضية أخرى تخص الخليفة المستنصر بالله، ونقتبس هنا من ورقة الدكتور عبد
الفتاح مرة أخرى: "وهذه تتعلق بتحقيق نسب المستنصر بالله الثاني أحمد أول خليفة
عباسي بويع بمصر. فجمهور المؤرخين يصحح نسبه، ولم يشكك في صحة هذا النسب
إلا أبو الفدا )صاحب المختصر في أخبار البشر(، ثم تبعه في هذا التشكيك بعض
المؤرخين كابن الوردي الذي نقل رواية أبي الفدا، وأضاف إليها اعتراضا فقهيا على
طريقة إثبات نسب هذا الخليفة التي تمت في القاهرة. وأبو الفدا لم يذكر سندا واحدا يعتمد
عليه في التشكيك في صحة هذا النسب، وإنما فهم من كلامه أن سنده في هذا هو أن
الخليفة كان أسودا، وظل يلقبه – وهو يتبع أخباره بالتسجيل – بالخليفة الأسود. وواضح
أن هذا ليس سببا موضوعيا يمكن الاعتماد عليه، فمن المعروف أن كثيرا من بني العباس
وأمرائهم كانوا يتخذون من الإماء أمهات أولاد، ومن بين هؤلاء الإماء من كن من
السودان أو الأحباش، ومن الممكن أن ينزع الولد إلى أمه، وقد أشار الحافظ الذهبي في
كتابه دول الإسلام إلى أن أم المستنصر هذا كانت أمة حبشية".
ويضيف الكاتب" على أن أبا الفدا وإن كان قد عجز عن الإتيان بسبب موضوعي مقنع
يقلب شكه إلى يقين، فإننا أيضا عاجزون بنفس السبب للوصول إلى الحقيقة في هذه
القضية، وإن كنا لا نعدم مرجحات تصحح هذا النسب منها: الأعراب الذين وفدوا مع
الخليفة، وشهدوا على صحة نسبه، وفي هذا يقول ابن خلدون: ))أن القاضي أثبت نسب
الخليفة المذكور بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة، ولم يكن شخصه خفيا((.
ومنها وهو الأهم أن هذا الخليفة لو كان دعيا في هذا النسب لقنع بما وصل إليه من تمام
بيعته خليفة في القاهرة، ولم يكن حريصا على إحياء ملك آبائه في عاصمة خلافتهم،
معرضا نفسه لمخاطر مروعة عاينها الناس وعانوها، ومع ذلك يصر على المسير
لاسترداد ملك آبائه المغتصب بحد السيف، في ظروف تتضاءل فيها فرص النصر،
ويتعذر في ظلها تحقيق الهدف المنشود". انتهى الاقتباس. وهذه الورقة تشكل قراءة ممتعة
ويمكن الحصول عليها من الانترنيت.
نعود للخليفة الحاكم بأمر الله الأول ثاني الخلفاء العباسيين بمصر وجد كل الخلفاء
العباسيين من بعده. وقد وصل إلى القاهرة يوم الخميس 26 صفر سنة 66٠ م الموافق
ص ف ح ة | 24
ليوم الخميس 1٩ يناير 1262 م، وقيل، في رواية أخرى، مارس 1262 م بصحبة إبنه
وجماعة قرابة ٥٠ رجلا، وبويع له بالخلافة في 8 محرم سنة 661 ه، الموافق الموافق
21 نوفمبر 1262 م، قيل وعمره آنذاك 1٥ سنة، وفي ذلك نظر، وإذا اعتمدنا ذلك يكون
قد ولد في في العام 12٤7 م، وت و ف ي ل ي لة ا ل ج مع ة 18 ج ما دى الأولى سنة 7٠1 ه، الموافق
1٩ يناير 1٣٠2 م.  و كا نت خ لا فته ٤٠ سنة وأشهرا ، وبويع بعده ابنه سليمان المستكفي
بالله.
أقول كيف كان عمره 1٥ سنة حين بويع بالخلاقة وقد جاء للقاهرة قبلها بعام في عمر
1٤ سنة بصحبة ابنه محمد المستمسك بالله وآخرين. ثم كيف قاد المعارك ضد المغول
في فترة سابقة لذلك.
ولم ي ل الخلافة من والده وجده غير خليفة بعد السفاح والمنصور إلا الحاكم هذا فإن والده
وجده وجد والده لم يلوا الخلافة.
نعود الآن لنستعرض سلسلة الخلفاء الذين قلنا أن كلهم من ذرية الحاكم. هناك فرعان
متنافسان للخلافة. ذكرنا أن الخليفة الحاكم جاء للقاهرة بصحبة ابنه محمد الذي عينه وليا
للعهد وسماه المستمسك بالله، لكن المستمسك بالله توفي في حياة أبيه، والعجيب أن أيا من
المصادر التاريخية لم تذكر تاريخ وفاته، وبطبيعة الحال لا نعرف تاريخ ميلاده. وكان
المستمسك بالله قد تزوج سنة 1277 م، كما ذكرنا، وأنجب ابنا سماه إبراهيم، لا نعرف
أيضا تاريخ ولادته. وعندما توفي المستمسك بالله عهد الحاكم بولاية العهد لابنه إبراهيم
هذا، كنوع من التعويض. وكان الحاكم قد رزق بابن يصغر إبراهيم بعدة أعوام سماه
سليمان، وكان ميلاد سليمان هذا في سنة 68٤ ه الموافقة لسنة 128٥ م. لكن الحاكم، في
فترة لاحقة، عزل حفيده إبراهيم من ولاية العهد، وعهد بها لابنه سليمان، وذلك كما قيل
لطيش إبراهيم هذا وتصرفاته غير اللائقة. وربما كان هناك بعض التحامل على إبراهيم
والمبالغة في تصويره بغاية السوء والطيش. المهم أن سليمان خلف أبيه في الخلافة وتلقب
بالمستكفي بالله. على أن إبراهيم، انتقاما فيما يبدو، سعى بالوقيعة بين السلطان والخليفة
سليمان المستكفي بالله مما دفع السلطان لنفيه إلى قوص حيث ظل هناك حتى وفاته سنة
7٤٠ ه، الموافقة لسنة 1٣٤٠ م، حيث أوصى بالخلافة إلى ابنه أحمد. لكن السلطان لم
يعتمد ما قرره المستكفي بالله وعين إبراهيم خليفة وتلقب بالواثق بالله. انظر إلى ترجمة
الواثق بالله إبراهيم هذا كما وردت في تاريخ الخلغاء للسيوطي، والتي يشتم منها رائحة
التحامل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق