الثلاثاء، 6 مارس 2018

جلابيتي الخدرا - بقلم: مصطفى المأمون الشيخ


العروس .. زهرة من زهرات الخلوات
العريس .. مهندس عباسي شاب قدم حديثا من بعثة دراسية في المملكة المتحدة


شغلني عن ذلك العرس شيئان أو قل حدثان :
الطرادة : طراده جديدة حمراء فاقع لونها تسر الناظرين ، نفحني إياها عمي المعتصم عليه رحمة الله .لم أرَ عند عمي المعتصم جُزْلاناً او كيسا للنقود ، كان يرص نقوده الورقية داخل نوتة صغيرة ويلفها برباط من المطاط ، فتبقى الوريقات ملساء مستوية لا تشبه النقود المتداولة في البلد .
الطرادة ،،، تلك التحفة ما زال ملمسها مبصوما في عصبي الحسي المسؤول عن الاستشعار كما تعلمنا في دروس العلوم ومازال منظرها مطبوعا على عصبي البصري ، الجمل المرسوم عليها لم ترَ عيني مثله جمالاً وبهاءً وصحة وعافية والبوسطجي الذي يتسنم ذلك الجمل يبدو أنه رجل صباح خير .. وخُرْج البريد الذي يحمله ذلك الجمل لا بد كله بشارة خير ... توقيع المرحوم مأمون بحيري محافظ بنك السودان على تلك التحفة يا له من نقش ، كأنه قد نقش خاتمه على الورقة تحت ظل شجرة الجامع وسلمها لعمي المعتصم الذي سلمها بدوره لابن أخيه مُخرمج هذه السطور .
الله !!! دي جبتها من وين يا مصطفى ؟؟ كديه وريني ... أناولها للسائل ممسكاً بطرف منها .. ما قلت لي جبتها من وين ؟؟ أداني ليها عمي المعتصم وعنده زيها كُتَار .. تعال يا مصطفى وريني .. مصطفى داير تفكها .. أينا كان نجما في صباح يوم العرس ؟؟ انا أم الطرادة ؟؟
الآن خف الفرح والانبهار بالطرادة وجاء التفكير بالاستفادة منها .. أفكها ؟؟ مستحيل أن تذهب لغيري .. هداني تفكيري أن أضعها كوديعة في بنك أمي واسحب مبالغ صغيرة مقابل تلك الوديعة .. تم الإيداع و سحبت المبلغ الأول خمسة قروش وكنا نسميه شلن .. اشتريت صندوق حلاوة لكوم .. الصندوق به من 12 إلى 14 حبة حلاوة ..أنت وحظك .. ثمنه أربعة قروش .. إذا بعت الحبة بتعريفة ( نصف قرش ) تكون حققت أرباحا تقدر ما بين قرشين إلى ثلاثة قروش . اشتريت الصندوق وانطلقت وسط جمهور المدعوين للعرس أنادي على بضاعتي : حلاوة لكوم تغلد (تغلظ) الجضوم .. حلِّي ضروسك قبال الفلس ما يدوسك ..
اللبسة :
هي طقم مثله مثل اللبسات الجاهزة المنتشرة في زماننا هذا ولكن في ذلك الزمن تعتبر طفرة مدنية تحتاج لكثير من قوة العين ،، أحضرها لي ابن عمي المرحوم العالم العلامة عبد الله ود شيخنا من الحجاز كما قالوا لنا يومها .. كلمة السعودية في تلك الأيام لم تصلنا .. كانوا يقولون الحجاز... كان ابن عمي قد عاد من تلك الديار في أوائل الستينات .
بعد تجريبي لتلك اللبسة لدقائق ،، انتزعت مني .. اللبسة دي للعرس .. عرس منو ؟؟ انت ما عارف !! عرس س بنت المهدي .. آه متى يأتي عرسك يا س بنت المهدي حتى البس لبستي الجديدة ؟؟
جاء يوم العرس
.. لبست لبستي الجديدة وقدلت بها على سفوح قيزان الخلوات وتحت ظلال شجر الدوم .. مصطفى تعال ،، دي اللبسة الجابك ليك عبد الله .. سمحة .. اوعك تملاها بي حِيمير الدفيق .. قضيت شطراً من ذلك اليوم وانا راضٍ عن تلك اللبسة وعن الطرادة ،، عندما انتصف النهار وتوافد المدعوون بأطفالهم إلى بيت العرس ، شعرت أن تلك اللبسة تضيق عليَّ وأن مسامات جسمي صارت تنتح تحتها ضجرا ،، اتخذت القرار الصحيح .. بحث عن أمي .. وجدتها تحت ظل النيمة جوار التكل .. أمي أنا داير البس جلابيتي الخدراء (الخضراء ) .. ليه اللبسة دي ما سمحة .. لا ما سمحة .. انا داير جلابيتي الخدراء ..
الله من تلك الجلابية !! جلابية بوبلين خضراء من دكاننا وأخاطها لي أبي بيديه الكريمتين .. ضجت مسامات جسمي بالفرح عندما علمت بقراري الصحيح .. بفطرتي أحسست إن ارتدائي لتلك اللبسة ليس فيه شيئا من الأناقة وذلك قبل أن أقرأ بعد زمن أن الأناقة هي : ( اللبس المناسب.. في الزمان المناسب .. في المكان المناسب ) .. لبست جلابيتي الخدراء وعاد إلي جلدي وعادت إلى روحي وصحت في حماس : حلِّي ضروسك قبال الفلس ما يدوسك .
ما سر هذه الجلابية الخضراء التي جعلت رئيس لجنة المعاينة لتعيين المدرسين في مكتب تعليم الدامر يترك لجنته ويبحث عني في أركان حوش مكتب التعليم .. كنت أحسب أن دوري في المعاينة قد آن .. رئيس لجنة التعيين هو استاذي عباس عبد المطلب ناظر مدرسة الشريك الأولية حينما كنا تلامذتها ،، لمح اسمي في كشف المتقدمين ، لم يصبر حتى أدخل عليه في مقر اللجنة .. انطلق يبحث عني في الحوش .. رأيته اقتربت منه أخذني بالأحضان .. سألته في استغراب معقول يا مولانا لي هسع بتتذكرني .أجاب : وكمان اتذكر جلابيتك الخضراء . 
يا ترى هي نفس الجلابية التي حكيت لكم عنها أم أنني كل ما أبليت جلابية خضراء ركب لي الزمان جلابية خضراء أخرى .
قبل عامين او ثلاثة أعوام ،، دخلت دكان قمّاَش باكستاني ورأيت لفة قماش خضراء ، فصحت في فرح بوبلين ،، بوبلين .. لم يفهم الباكستاني كلامي وقال في ضجر : أيش في كلام انت صديق .. أمسكت باللفة و قلت له : كم متر في هذا ثوب سوداني ؟؟ أخذت منه ما يكفي الجلابية وخيطتها وهي ما زالت حتى الآن من بين جلاليبي تحظى بالرعاية والاحترام .
وحلي ضروسك قبال الفلس ما يدوسك
منتدى عائلة العبابسة
2007م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق