في عهد شيخنا ود علي غيرنا مكان تجمعنا المعتاد لتناول إفطار رمضان .. كنا صيفا نقيم إفطارنا في المساحة الواقعة بين المسجد وشجرة السبيل ( المزيرة ) ثم لسبب لا أعلمه انتقلنا إلى إمام المسجد وشتاءً كنا نقيم إفطارنا داخل المسجد . في أحد الرمضانات ، وانا طفل لم أدخل المدرسة بعد وكان الوالد – عليه رحمة الله - يعمل ببلدة خشم القربة وكنت احمل صينيتي لأفطر مع الكبار . في هذا الرمضان غيرنا مكان إفطارنا تغييراً لا اظن أنه تكرر مرة أخرى .. انتقلنا بإفطارنا لخلوة الضيفان .. سبق أن ذكرت لكم يا سادتي أنني صليت الجمعة في الخلوة القرآنية وذلك لأن المسجد كان تحت الصيانة .. الآن لا صيانة في المسجد ورغم ذلك انتقلنا بإفطارنا إلى خلوة الضيفان لسبب مختلف كليا وذلك لأن عمي وشيخي ود علي عليه رحمة الله يباشر حالة مرضية حرجة لإحدى النساء ولا يستطيع أن يبتعد عنها خاصة في ساعات المغرب ،، نسأل الله لكم السلامة وللمرأة الرحمة فقد توفيت بعد ذلك بسنوات .. هذه فرصة لم تسنح لغيري من أطفال العبابسة وغير العبابسة .. أن اجلس قرب عمي ود علي وهو يباشر علاج هذه الحالة المستعصية .. كان مجلسي أقرب للمريضة لأن المساحة التي بين برش الفطور وعنقريب المريضة كانت أضيق المساحات ولذلك اختاروا لها الولد صغير الحجم ، أبو جلابية خدراء والذي يمكنه أن يجلس بارتياح ظاهريا في ذلك المكان .. قلت ارتياحاً ظاهريا لأني في الأيام الأولى كنت متوجساً بعض الشيء ولكنني لا استطيع أن اعترض كما كان يمكنني أن ازوغ من الفطور مع الرجال ما دام الأمر فيه مجانين ولكن هذه تربية الخلوات .. في الخلوات عندنا الحدود واضحة .. كانت حالات من الهيجان تصيب المريضة أثناء تناولنا للإفطار ،، فيأخذ شيخنا ود علي بجريدة النخل ويطلب مني أن أوطيء رأسي وينهال على المريضة وهو يرتل بعض آيات القرآن .. نساء حلة الخلوات كن لا يعرفن تفاصيل ما يجري في خلوة الضيفان .. اختراقي لهذا الحصار سنح لهن أن يلممن ببعض ما يجري في الخلوة .. صرت أسرِّب لهن ما تتفوه به المريضة أثناء هيجانها ومن العبارات التي نقلتها وأصبحت تتناقلها النساء والأطفال في البيوت ،، أنه وأثناء تناولنا الإفطار جاء ذكر كلمة شاي وهنا تدخلت المرأة وقالت ( أحي من ده الشاي البلا كباي ) وترجمتها ( شاي بدون أكواب ) بالطبع أعجبتني هذه الجملة المسجوعة ونقلتها لبيوت الخلوات وتداولتها الالسن حتى وصلت لأم المرأة التي كانت ترافقها من بعيد دون الوصول إليها في الخلوة .. قبل نهاية ذلك الشهر شفيت المرأة تماما وعند مرورها بصحبة أمها لوداع ناس الخلوات للحاق بالعيد في بلدتها القريبة من ندي . وعندما قدموني لها للوداع ضحكت وقالت ده مصطفى صاحب مقالة الشاي البلا كباي ،، لها الرحمة .. هذه التجربة أفادتني إلى حد ما ... كان في سوق الشريك مجنوناً خطيراً يسمى ابو جيب أتى به الطريق .. في أحد الصباحات ونحن نتناول شاي الصباح في داخلية مدرسة الشريك ظهر المجنون ابو جيب في ساحة الداخلية وهرب التلاميذ إلى غرفهم وهم يتصايحون ابو جيب جاكم .. لم أهرب معهم .. تقدمت نحو ابي جيب وأنا ممسكا كبايتي وعندما وصلته ناولتها له .. أخذها مني وأخذ يشربها بتلذذ واضح لا سيما أنه كان شايقيا وانا اقف قربه انتظر الكباية الفارغة وبقية التلاميذ ينظرون إلى من الأبواب والشبابيك وهم مستغربون .. أنهى ابو جيب شرابه وناولني الكباية قائلا تاني أي انه يطلب المزيد .. قلت له تاني ما في يا الله أمشي وأشرت له نحو الباب رضخ لقولي وغادر المكان .. لم اقترب منه ثانية ولكن عندما أمر به في السوق المح طيف ابتسامة على شفتيه . بقيت على هذا النهج عندما التحقت بالدراسة في أميرية بربر .. لا اهرب من مجنون ولا استفزه ولكن عندما اغتربنا في الخرتوم وسكنا براريها حدث لي ما هو جدير أن يمسح كل هذا الإرث .. حدث هذا في مستهل الثمانينات وكنا نسكن في منطقة البراري بالخرطوم . في محطة المواصلات وانا في كامل زينتي . ارتدي الزي الرسمي لسودانير ، تهجم علي مجنون واصطفاني من دون خلق الله المحتشدة في محطة المواصلات .. لم يكن مظهر الرجل يوحي بالجنون وكنت أحسبها مشاجرة من شخص لسوء فهم لم أكن لأعرف أنه مجنون لو لم يتقدم إلي أحد معارفي من أولاد بري وهمس لي طالبا مني أحسن التصرف لأن هذا الرجل مريض . وعندما سمعت كلمة مريض هذه انتفضت وخلصت نفسي ولكن بقايا قميصي كانت في يد المجنون . يا زول .. المجانين في الخرتوم ولا بلاش ، أما مجانين البلد فهم شاي بلا كباي سلامتكم مصطفى المأمون الشيخ ابو المعتصم منتدى عائلة العبابسة 2007م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق