الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

"عثمان القلوباوي" - وأفل نجم آخر من نجوم "العبابسه" الأكارم























"عثمان القلوباوي" - وأفل نجم آخر من نجوم "العبابسه" الأكارم 





شيعت جموع غفيرة من علماء الإسلام في السودان ومن أعيان المجتمع فيه ورموزه بشكل عام وخصوصا أهل المحبة ورجالات الطرق الصوفية وغيرهم من المواطنين؛ أحد الخيرين من رجال الدعوة الإسلامية الراحل المقيم الشيخ عثمان محمد الصادق القلوباوي شيخ الطريقة القادرية والذي حدثت وفاته فجر الجمعة الموافق للتاسع عشر من شهر صفر من عام 1441هـ والذي يصادف تاريخ الثامن عشر من شهر أكتوبر من العام الحالي 2019م إثر علة مرضية؛ حيث تم تشييعه بمسيده بأمدرمان الثورة الحارة (29) شمال بمحلية كرري في العاشرة صباحا.



وفي ختام مسيرته الحافلة بالإنجازات والعطاء تمت مواراة جثمانه أخيرا في المجمع الإسلامي العامر الذي شيده لحفظ القرآن الكريم تدريس العلوم المتعلقة به، فقد كان من أولوياته تعليم القرآن الكريم وتفعيل دور الخلاوي وقيام حلقات التلاوة والإهتمام بطلاب الخلوة، وكان مهتما بمسيرة العمل الإجتماعي وغرس روح التكافل والتسامح وسط المجتمع ومجاملا في كل كبيرة وصغيرة؛ وخاصة فيما يتعلق بمناسبات التصوف النقية.



كان رحمه الله تعالى من أهل التقوى والصلاح والذوق والمعرفة بالله والتعريف به كما شهد له بذلك الكثيرون، وكان من أجمل رواة أشعار المديح النبوي ومن أهل صفاء المحبة والأنس والجمال. 



وقد كانت حياته حياة مليئة بالإشراق والعمل الصالح ونشر العلم وبث المحبة بين الناس وتعريفهم بالذات الإلهية والذات النبوية وعرض سيرتها بين الناس، وذكر سير الصالحين من هذه الأمة بين الأجيال وغرس معاني التربية وبذر بذور المعرفة في عقول وقلوب أبناء المسلمين على منهج الإسلام الوسطي والمعتدل.



وقد تتلمذ على يده نفر كثير من أمثال البروفيسور عوض حاج علي وعباس علي السيد واللواء عبد المحمود حماد وعدد من العلماء والمشايخ وحفظة القرآن المطهر.



وتلقى فيه العزاء شيخ سجادة الطريقة القادرية بكدباس فضيلة الشيخ محمد الشيخ حاج حمد الجعلي وآل الشيخ الجعلي وجمع من مشايخ ومقدمي ومريدي الطريقة القادرية خاصة والطرق الصوفية عامة وأسرته آل القلوباوي العباسية وعموم أشراف "العبابسه" بمدينة بربر وضواحيها ومناطق الرباطاب وجمع ممن ربطته بالشيخ أواصر الإسلام وعلائق الأرحام.



وهو الشيخ العارف بالله والعالم الجليل المربي الدال على الله عثمان محمد الصادق القلوباوي من أسرة القلوباب العباسية نسبا، وهو مالكي في مذهبه، وينتسب إلى أسرة "العبابسه" الدينية الكبيرة والعريقة، وقد ترعرع ونشأ في بيت من العلم والقرآن.



وقد ولد بالجزيرة مقرات غرب مدينة أبو حمد بولاية نهر النيل عام 1941م وقيل 1938م، ونشأ وترعرع في مدينة بربر على يد ابن عمه الشيخ إبراهيم بن أحمد الفكي مدني القلوباوي.



وقد درس القرآن بمنطقة الحلفا غرب بربر بمسجد الشيخ الفكي علي، ومسجد نوري بكريمة شمال السودان ثم أكمل حفظه بمسجد أم ضوا بان في خلافة الخليفة يوسف بن الشيخ العبيد ود بدر عام 1954م، ثم درس العلم وتفقه على مشايخ كثر منهم: الشيخ مجذوب مدثر الحجاز والشيخ مجذوب جلال الدين النقر، ودرس علم الفقه والحديث والتفسير والسيرة النبوية وتجويد القرآن الكريم على يد كثير من العلماء المشهود لهم في السودان كما درس علم النحو على يد الشيخ عمر المجذوباوي.



أحيا نار القرآن الكريم بمسجد جده الشيخ أحمد القلوباوي والد الشيخ إبراهيم القلوباوي الشيخ محمد القلوباوي بالدكة في مدينة بربر حيث تولى خلافة سجادة آبائه وأجداده "العبابسه" بعد وفاة أخيه الشيخ عمر محمد الصادق القلوباي، ودرس وحفظ القرآن على يده الكثير من التلاميذ، وكان ذلك عام 1958م.



وفى نفس العام تصوف وأخذ الطريق القادري على يد أستاذه الشيخ أحمد الجعلي القادري بكدباس، ولما علم الأخير بأهليته للإرشاد وسلوك الطريق أجازه بالتسليك والإرشاد وشيخه كشيخ في الطريقة القا درية بكدباس. 



وفي عام 1964م خرج مهاجرا وسائحا للزيادة في طلب العلم وزيارة الشيوخ وزار خلال سياحته هذه كثيرا من المساجد وخلاوي القرآن الكريم ثم بعد ذلك رجع واستقر بمسجد بربر.



وفى عام 1986م بنى مسجدا تقام فيه الجمعة والجماعات والأعياد بمدينة بربر، وأسس فيه ملحقا به مسكن خاص بالطلاب والزوار، ولا يزال المسجد يؤدي رسالته على الوجه المطلوب ومن ثم بنى مسجدا آخرا بمنطقة المخيرف.



وفي العام 2001م جاء إلى العاصمة الخرطوم ثم أنشأ مجمعا إسلاميا كبيرا وصرحا عظيما في أمدرمان الحارة (29) يحتوي على مئذنتين ومساحته أربعون في خمسين مترا مربعا، وهو الآن قبلة كبيرة يأوي إليه الضيوف والزوار وطلاب القرآن والعلم والإرشاد، ويأتيه العلماء للمحاضرات الدينية والإحتفالات وذلك بمعاونة تلاميذه الذين تخرجوا من مدرسته وأبناء عمومته من سلالة "العبابسه" الأكارم نذكر منهم البروفسير عوض حاج علي مدير جامعة النيلين والمرحوم الدكتور خضر محمد علي الذي كان مديرا للإتصالات بسوداتل، والشريف عباس علي السيد الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية والسيد عباس الفادني بالمجلس الوطني والمهندس السياسي أحمد النور غرب الحارات والسيد سعيد الحسين بوزارة الأوقاف ومجموعة كبيرة من المريدين والأحباب.



وللشيخ القلوبوي مجموعة من المؤلفات منها الرسالة وكتاب الفقه الديني على مذهب الإمام مالك بن أنس وله مدائح نبوية باللغة السودانية الدارجية واللغة العربية الفصحى غير مؤلفاته التي ألفها في التربية والسلوك والعلم.



وفيما يلي مقال نشر في جريدة الأهرام اليوم بتاريخ الثامن عشر من شهر مارس عام 2013م:



"عندما يكتب الشيخ القلوباوي" 



وردتني هذه الرسالة من الشيخ عثمان القلوباي، وهي تكتسب أهميتها من موردين عذبين اثنين؛ المورد الأول هو مشيخة القلوباب وهو مورد عذب كثير الزحام، وقديماً قالت العرب: "المورد العذب كثير الزحام"، وهي تزدحم بالمآثر وتزدان بالمناصب. 



فأسرة القلوباب التي نذرت نفسها وإمكاناتها وتاريخها للدعوة لله سبحانه وتعالى، وقد تميزت حتى في المدرسة الصوفية بأن لا وطن للدعوة عندها، وشيخنا عثمان القلوباوي: "في كل بلد.. سوّاله ولد"؛ أعني مريدين وأحبابا وعمارا للعلم وحلق القرآن، هذا الطريق الذهبي الذي بدأ من قرية: "الطونية" بمنطقة أبو حمد، مرورا بمدينة القلوباب بقرى مبيريكة ثم توقف لعقود وأوقف التاريخ معه في منطقة "الدكه" بمدينة بربر، ثم ثورات أم درمان وصولا وعودة إلى الحجاز.



أما المورد العذب الآخر فهو هذه الوسطية التي خرجت هذه الرسالة "المنهج"، وذلك برغم بساطتها إلا أنها تخاطب أزمة تكاد تعصف بهذه الأمة مما لحق بها من آراء متطرفة تظهر أحيانا وتختفي حينا آخر، فالسادة القلوباب وسط المدرسة الصوفية يشتهرون بعدم العصبية لجنس أو حتى حزب، فحزب الدعوة والوسطية والقرآن والصلح بين الإخوة في الدين والوطن هو حزبهم الكبير، أما عن الشيخ عثمان القلوباوي فحدث ولا حرج، ونحسبه أحد معلمي هذا الزمان، ومشيخة تعكف على صناعة دولة "الكسرة والإنكسار".



رأيت أن أنشر هذه الرسالة كما وصلتني ومن أنا لأدخل قلمي الضعيف في موكب القلوباب الهادر وما أنا إلا تلميذ في محراب مشيختكم الهيبة.



إبنكم: أبشر الماحي، وإلى مضابط هذه الرسالة:



رسالة في عدم تكفير أهل القبلة



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..



أما بعد..



أقوال العلماء في عدم تكفير أهل القبلة نقلا عن الشيخ الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام: إن الأصح أن معتقد الجهة لا يكفّر لأن علماء المسلمين لم يخرجوهم عن الإسلام بل حكموا لهم بالإرث من المسلمين وبالدفن في مقابر المسلمين وتحريم دمائهم وأموالهم وإيجاب الصلاة عليهم، وكذا سائر أرباب البدع لم يزل الناس يجرون عليهم أحكام الإسلام ولا مبالاة بمن كفرهم، فلا ينبغي لمتدين أن يكفّر أحدا من أهل الفرق الخارجة عن طريق الإستقامة ما داموا مسلمين يدينون بأحكام الإسلام.



وكان قاطبة العلماء يقولون: لا يكفّر أحد من أهل المذاهب الإسلامية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا".





وقد نص الإمام الشافعي على عدم تكفير أهل الأهواء في رسالته فقال: "لا أكفّر أهل الأهواء بذنب ولا أكفّر أهل التأويل المخالف الظاهر بذنب"، والمراد بأهل الأهواء أصحاب التأويل المحتمل كالمعتزلة والمرجئة وأراد بأهل القبلة أهل التوحيد. 



أعلم أن ما قررناه لك في هذه العجالة أن جميع العلماء المتدينين أمسكوا عن القول بالتكفير لأحد من أهل القبلة فنسأل الله أن ينفعنا ببركاتهم ويرزقنا بفضله وإحسانه حسن الختام. 



مقدم هذا البحث: الإمام العالم الجليل الشيخ عثمان القلوباوي، إمام وخطيب مجمع الشيخ القلوباوي الإسلامي 

الثورة الحارة 29 شمال 


ومن مقال آخر له على نفس الجريدة ولكن بتاريخ العشرين من شهر أبريل عام 2012م: 



إبننا الأستاذ أبشر الماحي.. حياكم الله.. لقد أصبحتم منبرا فاعلا وشاهقا، جزاكم الله عنا، وعن مشيخة القلوباب ومريديها، وعن الإسلام والمسلمين خيرا.. 



اليوم ندفع لكم بهذه البراهين والأدلة التي تدحض دعاوى البعض في عدم جواز وثواب قراءة القرآن للميت وإلى متن الرسالة: 



دليل وجواز ما جاء في قراءة القرآن عند القبر حالة الدفن وبعده أنه يصل إلى الميت ثواب ما يقرأ ويستغفر له ويتصدق عليه ذكره أبو حامد في كتاب الإحياء وأبو محمد عبد الحق في كتاب العاقبة له، قال محمد بن أحمد الموروذي سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.



وقال علي بن موسى الحداد: كنت مع أحمد بن حنبل في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهري يقرأ، فلما دفنا الميت جاء رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة على القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر بن إسماعيل قال: ثقة، قال: هل كتبت عنه شيئا، قال: نعم، قال أخبرني مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن الحجاج عن أبيه أنه أوصى إذا دُفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد: فارجع إلى الرجل فقل له أن يقرأ. 



وقد خرج السلفي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أُعطي من الأجر بعدد الأموات".



وروى من حديث أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ المؤمن آية الكرسي، وجعل ثوابها لأهل القبور، أدخل الله في قبر كل مؤمن من المشرق إلى المغرب أربعين نورا ووسع الله عز وجل مضاجعهم وأعطى الله للقارئ ثواب ستين نبيا ورفع له بكل ميت درجة وكتب له بكل ميت عشر حسنات"، فإن قيل لقد قال الله تعالى: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى"، وهذا يدل على أنه لا ينفع أحد عمل أحد، قيل له هذه آية اختلف في تأويلها أهل التأويل، فروي عن ابن عباس: إنها منسوخة بقوله تعالى: "وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ"، فيجعل الولد الطفل في ميزان أبيه يوم القيامة ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء، يدل على ذلك قوله تعالى: "آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا"، وقال الربيع بن أنس: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" يعني الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره. 



وكان الشيخ الفقيه القاضي الإمام مفتي الأنام عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله يفتي بأنه لا يصل إلى الميت ثواب ما يُقرأ له، ويحتج بقوله تعالى: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" سورة النجم الآية 39، فلما توفي رحمه الله رآه بعض أصحابه ممن كان يجالسه وسأله عن ذلك، فقال له: إنك كنت تقول: إنه لا يصل للميت ثواب ما يُقرأ ويُهدى إليه فكيف الأمر، فقال له: "إني كنت أقول ذلك في دار الدنيا، والآن فقد رجعت عنه لما رأيت من كرم الله تعالى في ذلك، وأنه يصل إليه ذلك". 



وقال ابن تيمية إن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والإستغفار والدعاء. 



وقال ابن قيم الجوزية في كتاب الروح أفضل ما يُهدى إلى الميت قراءة القرآن الكريم والدعاء والإستغفار والحج وغيرها كثير من الأعمال الصالحة. 



مقدم البحث: الإمام الشيخ عثمان محمد الصادق القلوباوي 

إمام وخطيب مجمع القلوباوي الإسلامي 

الثورة الحارة 29 شمال 



تعريف بالشيخ عثمان القــــــــلوبـاوي ونسبه: 



هو الشيخ عثمان محمد الصادق هاشم الحسن هاشم بن الشيخ إبراهيم القلوباوي بن عبد القادر بن محمد بن محمود العميات بن محمد الشامي بن إدريس بن إبراهيم بن محمد المشهور بتكم بن إدريس الحديد بن طه بن مسلم بن سرير بن محمد الجمة بن عبد الرحمن بن الشيخ شرف الدين بن يعقوب بن سعد الدين بن عز الدين بن يعقوب بن الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن موسى بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله بن السلطان هارون الرشيد بن محمد المهدي بن السلطان أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. 



ولد الشيخ عثمان القلوباوي بالجزيرة مقرات بمنطقة أبوحمد بدار الرباطاب عام 1940م ثم انتقل هو وإخوانه إلى مدينة بربر في صغرهم بعد وفاة أبويه حيث نشأ و ترعرع في بيت العلم والصلاح بالدكة في مدينة بربر في كنف ابن عمه الشيخ الصالح: إبراهيم بن الشيخ أحمد مدني القلوباوي و أخيه الشيخ محمد بن الشيخ أحمد مدني القلوباوي مع ملازمه أخيه الأكبر الشيخ عمر محمد الصادق وأخيه الأصغر الشيخ علي محمد الصادق. 



بدأ الشيخ عثمان القلوباوي حفظ القرآن الكريم وأتم حفظه ولم يتجاوز الثالثة عشر من عمره ثم انكب على دراسة العلم حيث التحق بالمعهد العلمي بأمدرمان عام 1954م وتلقى فيه العلوم الشرعية ثم رجع إلى بربر ودرس الفقه وعلم الحديث على يد الشيخ مجذوب مدثر الحجاز بمدينة بربر ثم التحق بمعهد الشيخ محمد المجذوب جلال الدين النقر بالدامر حيث تلقى علم التجويد، ثم درس اللغة العربية على يد الشيخ عمر المجذوباوي الأنصاري. 



بعد ذلك توجه إلى مذهب التصوف وسلك الطريق القادري علي يد الشيخ الولي الكامل الشيخ أحمد الجعلي بن الشيخ حاج حمد بن الشيخ أحمد الجعلي القادري حيث أجازه شيخه بالإرشاد وتربية المريدين وتسليك الطريق القادري لما رأى فيه المقدرة والكفاءة بالتربية وقيادة الأرواح إلى سبل الرشاد. 



خلف الشيخ عثمان القلوباوي أخاه الشيخ عمر بعد وفاته بمسيد بربر ثم بدأ في نشر الدعوة إلى الله تعالى وتربية المريدين وتهذيب الأرواح، وبدأ في بناء مسجده القائم الآن بمدينة بربر في العام 1965م وأكمل بناءه وافتتحه فى العام 1968م ثم قام بتشييد مسجد آخر بالمخيرف وهي قرية بضواحي بربر تقام فيه الجمعة والجماعة. 



إنتقل الشيخ عثمان القلوباوي إلى العاصمة الخرطوم في العام 2001م حيث قام بتأسيس مجمعه الإسلامي الكبير بالثورة الحارة (29 شمال)، وأكمل بناءه وتشييد خلاويه ومن ثم تم افتتاحه في يناير في العام 2011م وأصبح الآن منارة للعلم وتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية ونشر الدعوة إلى الله تعالى وهداية الناس إلى شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم . 



للشيخ العديد من المصنفات والرسائل منها كتاب الفقه الديني على مذهب الإمام مالك وله رسالة في التصوف الإسلامي بعنوان: مختصر الروضة الخضراء في شرح معاني قصيدة ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء. 



وكتاب (رسالة الطريق في إزالة التعويق عن المريد السالك والمربي شيخ الطريق)، ومما جاء فيها من أقواله: 

أيها الطلاب أيها التلاميذ: إدخلوا الفصول.. واسمعوا ما أقول.. إبحثوا عن الحقيقة.. والتمسوا رجال الطريقة.. ولا تكونوا كأهل الظواهر.. الذين ركنوا مع الحظوظ والمظاهر.. وحرموا الجواهر.. لا تقفوا مع من وقفوا مع المحسوس.. وحرموا المدسوس.. الذين آمنوا بالمادة والفلوس.. واتبعوا الكلام المهووس.. قال نبينا صاحب الناموس.. صلى الله عليه وآله وسلم: "تعس عبد الزوجة، تعس عبد الخميصة، وتعس عبد الفلوس".. 



وأيضا مدح الشيخ عثمان القلوباوي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بمدائح كثيرة لا تحصى منها المعرب باللغة العربية الفصحى ومنها ما هو باللغة الدارجة العامية السودانية وله دواوين مطبوعة في المديح، وسنخصص بعون الله تعالى حيزا للتوثيق لأشعار الفقيد ومدائحه النبوية الأنيقة. 



وفيما يلي قصيدة في رثائه كتبها أحد المريدين: 



كتب الشيخ الراوي الطيب مختار قصيدة رثاء بعنوان رجعى إلى الله في رثاء الوالد والمربي العارف بالله الشيخ عثمان القلوباوي، ويقول شاعرها فيها: 



تبكي السماءُ بوبلٍ دام ينهمعُ 

والعقل طاش وذات الصَّدعِ تنصدِعُ 



وأدهش الناس فيضُ النيلِ منتشراً 

فزال دهشُهمُ لما مضى الورعُ 



الشيخ عثمان من فاقتْ مَكارِمهُ 

ربُّ الندى والجدى بالله مجتمعُ 


شيخٌ تَخَلَّق بالأخلاقِ سار بها 

إلى المهيمن حقاً نِعْمَ من تَبِعوا 



نهج الجنيد مشى قولا كذا عملا 

من الذين إذا وافيتهم نفعوا 



لله دَرُّهمُ في الناس قد قَلُّوا 

لما دَوى الناسُ بالدينارِ وانخدعوا 



نَحَا الأكابرُ مَنْحى المصطفى أزلاً 

فقال من ضَلَّ: هذا الشركُ والبدعُ 



تب يا مُضَلَّلُ إن الأمر مُتضحٌ 

إن رُمتَ إيضاحه فاسمع لمن سَمِعوا 



واتبع لمن تَبِعوا المختارَ في سُننٍ 

وكاففوه عياناً في الورى لمعُوا 



جافوا المضاجع وجه الله مَقْصِدهم 

طُهْرُ الطَويَّة في من سبَّهُم شفعوا 



ماذا عليك إذا أعطى المهيمن ذا 

أو ذاك يا حاسداً، فالفضلُ مُتَّسِعُ 



وقدرة الله لا تَنْفَكُّ صالحةً 

لكل فعلٍ جرى منهم إذا صنعوا 



هون عليك، أخا الإنكارِ مُتَّئِدا 

واربأ بنفسك، نفسُ السُّوءِ مُنْخَدِعُ 



رُجْعَى إلى الله فيما حَلَّ من قدرٍ 

أَبْكَى الأَكابرَ يومَ الجُمْعةِ اجتمعوا 



مضى الفَقيدُ بيومِ الجُمعةِ بُشْرى 

وكل أيامِهِ لما سَمَا جُمَعُ 



وهذه حبةٌ من دوحَةٍ عَظُمَت 

وغَرْسُها قد نَما بالجعلي يرتفعُ 



مضى القلوباوي يا عين الندى ابكي 

بعدَ الدموعِ دما، فالدِينُ مُنْصَدِعُ 



بَكَتك طَيْبَةُ والسودانَ أَجْمَعُهُ 

ناحَ التَّصوُّفُ باكٍ طرفُهُ دَمِعُ 



دُمْ في الجِنانِ بأرقى المقعدِ الأعلى 

وطِبْ هَنِيئا غدا يا بُلْبُلٌ سَجِعُ 



بكى الطويب طودا شامخا علما 

والقادريةُ مَن لله قد رَجعُوا 



صلى المهيمن ربُّ العرشِ خالِقُنا 

على الحبيبِ وآلٍ في الصَّلا خشعوا 



إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الله: "إنا لله وإنا إليه راجعون"..

هناك تعليق واحد:

  1. رضي الله عنهم ورضوا عنه
    اللهم انفعنا بهم وبآلهم دنيا وآخره ويحشرنا معهم مع سيدنا محمد صل الله عليه وسلم

    ردحذف